الرسائل الروحيَّة

رسالة الأب نوح

يا أعزائي،

كنت قد قطعت خمسمئة كاملة من الاعوام، عندما ناجاني الحق آمراً إياي أن أصنع لي و لأسرتي فلكاً كي أنجو بواسطته من غضبه الرهيب، لأن الله رأى أن البشر قد فسدوا و زاغوا عن طريق الحق. فقد شاهد أعمالهم الشريرة، و أفكارهم السوداء التي لا تدور إلا حول الدنيء من الأمور.

لقد انتظر، سبحانه تعالى عليهم، أجيالاً طويلة، و هداهم إلى طريقهم الصالحة. فما أبهوا، و لم يهتموا سوى بقضاء لبناتهم الوضيعة، فحق عليهم غضب السرمديّ.

أما أنا فقد أنصعت للأمر الإلهي بكل ما عندي من قوة و نشاط. و بذلت غاية ما يمكنني بذله في صنع الفلك.

و دأبت على بنيانه، يساعدني على ذلك أولادي الثلاثة، و هم: سام، فحام، فيافت.

و قد صرفنا من الوقت، في هذا السبيل، مئة من الأعوام كاملة. و لم تكل لنا همة، أو تفتر لنا عزيمة. و نحن في ذلك متقيدون في الحجم الذي ألهمني إياه الله تعالى، أي كان طول الفلك ثلاثمئة من الأذرع، و كان عرضه خمسين ذراعاً، و ارتفاعه ثلاثين ذراعاً. و قد قسمته إلى طبقات: علوية و سفلة و متوسطة.

و كان أبناء قومي- في خلال المئة عام التي كنت أجد فيها ببناء الفلك المنقد- يأتون حيث أعمل بمساعدة أولادي، و يتهكمون علينا، و لا ينفكون عن الاستهزاء و السخرية.

هبوطُ روحٍ إسمها ماكالي

 

و قد ذهبت أقوالي لهم و نصحي إياهم أدراج الرياح…إذ ما كانوا يصغون لمواعظي و إرشاداتي، و لم يرتجعوا عن أعمالهم الوضيعة؛ بل نعتوني و أولادي بالمجانين الأغبياء، و البلهاء السخفاء.

و كم من الامرار حطموا لنا جوانب الفلك! فكنا نعيد بنيانه بصبر عجيب دون أن نتذمر.

و عندما أصبحت إبن ستمئة من الاعوام، اكتمل صنع الفلك، و أكمل طليه بالقار حسب الأمر المُعْطَى لي.

و كنت قد بنيته في قطعة أرض أملكها، سعتها مئة ألف من الأذرع، بعرض ثمانين ألفاً.

و كم كانت دهشتي في إحدى الليالي، عندما شاهدت أرتالاً ممتدة من مختلف الحيوانات تسير زوجاً فزوجاً، و هي تسير بنظام عجيب، حتى تصل إلى مدخل باب الفلك، فترتقي درجاته الأربع بدعة و اطمئنان.

و كان هذا يجري في مساء كل يوم لمدة سبعة أيام، و في نهايتها كان اليوم السابع عشر من الشهر الثاني.

و كنا في مساء اليوم السادس عشر من الشهر، قد دخلنا أنا و أولادي الثلاثة و نساؤهم : بهاء الأرض، و راضية، و قنوعة.

و ما بزغ فجر اليوم السابع عشر حتى عصفت الرياح بغضب رهيب لم تشهد الأرض أهول منه و لا أبطش! فاقتلعت الأشجار من جذورها، و تطايرت أضخم الحجارة بجبروت بطاش!

و أظلمت السماوات!

ثم فتحت كوى السماء، و انصبت الأنهار على الأرض!

و ثارت البحار و تفجرت أمواهها، و تدفقت على أرجاء المعمور، و طغت على الدنيا بأسرها!

و كان صراخ الهول و الفزع من الناس يدوي في الآذان، فيبعث الخوف في القلوب!

 و علت صيحات النسوة، فاختلطت بزمجرة الرياح، و اندمجت بهزيم الأمطار المتساقطة بجنون!

و للحال جثونا على ركبنا، و رفعنا إلى الله تعالى أحر صلواتنا على منحه إيانا نعمة البقاء، كي نسير، بعد انتهاء( الطوفان) الرهيب، على الطريق العادل.

و آلينا على أنفسنا أن نلبس المسوح، و نضع الرماد فوق رؤوسنا، بعد خروجنا من الفلك. إذا ما قيمة حياة الانسان إذا غضب عليه الباري، و صب عليه جام نقمته العادلة؟

و هكذا قضينا ظلمة الليل و نحن نضرع إلى الله أن يتقبل صلواتنا الحارة العميقة.

و استمرت الأمطار تتساقط ليل نهار!

و الظلمة سادت ربوع الأرض!

و الرياح لم تكف عن العصف و الهدير!…

فتهدّمت منازل البشر، و ابتلعتها المياه في جوفها مع من يقطنها من الأشرار!

أما أرواحهم فقد ذهبت- وا أسفاه!- إلى الدركات السحيقة، هناك حيث تقضي أهول الآلام و أروعها و أفجعها.

فيا للإنسان ما أكفره بنعمة الله!

و ما أسعد و أنعم روحه لو ضحّى في حياته قليلاً في سبيل خلوده في عالم لا يعرف معنى للكدر و الأحزان!

و تكاثرت المياه و تعاظمت حتى غطّت كافة الجبال، ثم علت عليها!

و مكثت السماء تلقي على الأرض بأمواهها مدة أربعين يوماً و أربعين ليلة. فمات كل ذي نسمة و حياة، مع بقول الأرض ، و ما تخرجه من شتى ىالأنواع.

أما الفلك فبقي سابحاً في هذا الخضم الرهيب وحيداً فريداً، و نحن لا نكف عن الضراعة و التبتل و السجود لصاحب السماوات و الأرضين.

و عندما أكملنا خمسة أشهر، و نحن نسير على غير هدىً، أتاني وحي السماء أن ( الله) قد أمر الريح أن تهب على الأرض لتهدأ المياه، و كي تجف شيئاً فشيئاً.

و هكذا استمرت الرياح تهبّ على الأمواه بعنف و جبروت، مدة خمسة أشهر غير منقوصة.

حتى إذا كان الشهر السابع، و في اليوم السابع عشر منه، استقر الفلك على جبل ( أراراط) المجاور لجنّة ( عدن).

و بعد شهرين و أربعة عشر يوماً ، ظهرت رؤوس الجبال التي كانت تغطيها المياه.

فمكثت، بعد ذلك، مدة أربعين يوماً ، ثم فتحت الكوة، و أطلقت منها ( غراباً) لأرى هل ظهرت الأرض في بعض الجهات أم لا تزال مغمورة بالمياه؛ فعاد إليّ، بعد بضع ساعات. فتأكد لدي أن الأرض لا تزال مغمورة.

و انتظرت شهراً كاملاً، ثم أطلقت ( حمامة)؛ فعادت إليّ، أيضاً، بعد ست ساعات. فتأكد لديّ أن الأرض ما زالت تغمرها المياه.

و انتظرت سبعة أيام أخرى، و أطلقت ( الحمامة) التي سبق و أطلقتها؛ فعادت إليّ، في المساء، و هي تحمل لي في فمها ورقة زيتون خضراء. فتأكد لدي أن الأرض قد جفّت قليلاً.

و بعد سبعة أيام عدت و أطلقت ( الحمامة) ، فلم تعد إلى الفلك، فعرفت من هذا أنها وجدت لها مستقراً خارج الفلك، فأبت العودة، بعد سجنها طوال الشهور الماضية.

و عندما أكملت العام الستمئة و عاماً واحداً .

ففي الشهر الأول من هذا العام نفسه جفت الأرض.

و في الشهر الثاني من العام، و في اليوم السابع و العشرين منه، أتاني وحي الله قائلاً لي:

– أخرج، يا نوح، من الفلك، أنت و كل من هم معك. و لا مانع من أن تتناسلوا لحكمة يجب أن تبقى مكتومة عن البشر الآن. و ستعرف في الأوقات التي يجب أن تعرف فيها.

و قال الرب لي أيضاً:

– إن الإنسان ذو قلب فاسد شرير؛ لهذا يجب أن يتكاثر على الأرض. و سيفرز كل صالح نفسه من قطيع هؤلاء البشر الأردياء، فينال سعادته العظمى عندما تأتي الساعة الأخيرة، ساعة الحساب و العقاب.

و هكذا خرجنا، و رفعنا الذبائح لله تعالى خالق كل ما نراه بأعيننا البشرية و ما لا نراه.

و بخروجي مع أفراد عائلتي من الفلك يكون قد انطوى  عهد التكوين السبعمئة و الستين ( 760)، و ابتدى بالتكوين السبعمئة و الواحد و الستين( 761).

*    *    *

يا أحبائي،

هنيئاً لكم، و هنيئاً لمن يثبت إلى النهاية.

و هنيئاً لمن يتغلب على التجارب و يسحقها بموطئ قدميه.

و هنيئاً لمن يرفع المغريات التي ستعترض سير حياته.

و هنيئاً لمن يطعن بحربة إيمانه ميوله الضعيفة، و يميتها و هي لا تزال في مهدها، قبل أن يستفحل أمرها و تقضي هي عليه بغدرها و خيانتها.

لقد عملت في حياتي صلاحاً ، فكافأني الله، جُلَّ اسمه، مكافأة لا يمكنني أن أصفها لكم.

أنا الآن في نعيم مقيم أردد آيات التسبيح لخالق البرايا معروفها لديكم و مجهولها، حتى تأتي ساعة معرفتكم الأخيرة، فتحتقرون الأرض و من عليها، و تباركون اسم الله تعالى، و تمضي بكم الأجيال و الآجال و أنتم مغمورون بنعيم مقيم. و إذ ذاك تحيون حياة، يا لله ما أبهاها!

أما الأشرار الذين انقادوا إلى روح الشر الرهيب، و أعطوا رغباتهم الدنيوية الفاسدة، فيا لعذابهم! و يا لبؤسهم و شقائهم. و يا للآجال المملة التي ستمضي و هم أبداً في جحيم مقيم، و أتعاب فكرية، و جسدية، و روحية مضنية، مذيبة رهيبة!

صلوا يا أحبائي، كثيراً.

و اثبتوا في هذه الرسالة السماوية المقدسة الأخيرة.

فالأعوام معدودة، و الخراب الشامل سيحل بها.

لا يأخذنكم ضعف أو وهن.

قاوموا التجارب الوضيعة.

لا تكلّوا و لا تملّوا قبل أن تأتي ساعة الندم فلا تجديكم نفعاً.

أما الآن فالفرصة أمامكم.

لا يفرح أي منكم بأنه قد عرف ( الحقيقة) في هذه الرسالة، و بأنه صار بمناجاة من كل شيء.فالتجارب العديدة لا تزال أمامكم. و ها قد سبقت و أخبرتكم أن تقاوموها و تحطموها.

و من خرج منكم من دائرة الرسالة الإلهية، فالويل ثم الويل له.

                   *                  *                  *

سينطلق ( النبي الحبيب الهادي) من بينكم، في ساعة من ساعاتكم الأرضية. و لكن، لا تحزنوا، أيها الأحباء، لأن ( هادياً) آخر سيكون بينكم . فهذا الهادي هو نفس هاديكم، و من ملأ علوي سيأتي و يناديكم.

و ليتمتع من يحمل اسم مرافق( النبي الحبيب الهادي)، فإن بهاء و سعادة عظيمين سينتظرانه. ليباركه الرب، و ليجعل درجته في أعلى عليين.

توجد أسرار عظيمة لا تزال مكتومة. و لن تأتي ساعتها في القريب العاجل، ما عدا البعض منها سيأتي في فترات مختلفة من الزمن.

أيها الأحباء،

أحبوا بعضكم بعضاً.

و تأكدوا أن انتهاء دور هذه الأرض هو أقرب جداً مما يتصور الجميع.

و عندما يأتي( الهادون الست)،

تضمحلُّ هذه الأرض،

و تتساقط الكواكب،

و تخبو النجوم…

و إذا ذاك، تبدأ أراض جديدة،

 و تظهر سماوات جديدة، فيحيا كل من يستحقّ أن يحيا فيها.

و يكون كل (هادي)  منهم

يملك زمام أراض جديدة و سماء جديدة.

ليسمع كل من له آذان للسمع.

فالحكمة تنادي من يصغي لها.

طوبى لمن عرف (الحقيقة) ،

و تكشّفت له المعرفة.

أما الآن، فإن الأب ( نوح) يستودعكم الله.

 

Read More

CONTACT US

E-mail:info@belovedprophet.com/

Copyright © 2025 By Daheshism Media Center

The opinions expressed the opinion of its authors only, and do not bind anyone to their content.

error: Content is protected !!