

تمهيد
إنطلاقاً من قراءاتٍ في تاريخ الأديان وسيرة الأنبياء والرُّسل، نجدُ قاسماً مُشتركاً يجمع بينهم، وهو مُلازمة الشَّك التي تُصاحبُ ظهورهم وإنكار نبوَّتهم، ممَّا يستدعي قراءةً عميقة في البحثِ عن ماهيَّتهم والأسباب التي تؤدِّي لتلفيق الأكاذيب عنهم واتِّهامهم بشتى أنواع الإفتراءات، بدءاً من الشعوذة والتدجيل الى السُخرية والإستهزاء وحتى الجنون وما ينتُجُ عن ذلك من إضطهادٍ وعُنفٍ يصلُ الى حدِّ القتل. وهذه الظاهرة ليست مُجرَّد حدثٍ عابر في حضارات وثقافاتٍ مُختلفة، بل نمطٌ لصراعٍ مُتكرِّر نتج عن السقوط في تجربة تخطِّي حدود الله لمعرفة الأسرار الإلهيَّة ومُشاهدة عظمة الخالق، نشأَ عنها ردَّة فعلٍ يكتنفها التناقض الوجوديّ بين البحثِ عن الحقيقة والخوف منها، ممَّا يدلُّ على النَّقص الكامن في النَّفس البشريَّة، يُعيد صدى الرَّفض الأكثر إيلاماً في تاريخ الرُّوح لتعاليم الله ووصاياه.
والقارىء بعين العدل والإنصاف يرى الإساءة الى رُسُلِ الله وأنبياءه تقليداً قديماً حديثا، يتخطَّى التباين في وجهات النَّظر حول الدِّين وجوهره الى ما هو أبعد من حريَّة التعبير، وما يترتَّبُ عليها من إستحقاقات تدميريَّة للذات والمُجتمع. يرى فيها الصِّدام الأبديّ بين شُعلة النور الإلهيّ وإمتداداته والعقول المُظلمة المُتحجِّرة في النَّفس البشريَّة، يُغذِّيه رجال دينٍ مُتطرِّفون يجدون في الرسالات السماويَّة تهديداً مُزلزلاً لسلطتهم المبنيَّة على تفسيراتٍ مُشوَّهة لنصوصٍ مُقدَّسة وآياتٍ مُتشابهات لتبرير أفعالٍ تخدمُ رغباتهم ومصالحهم الشخصيَّة أو السياسيَّة على حساب القِيَم والمبادىء، ولا تمتُّ بصلةٍ الى الأخلاق والإنسانيَّة. يرون فيها تدميراً جذريَّاً لأنظمةٍ تُشكِّل الحجر الأساس في هيمنتهم الوجوديّة من خلال استغلال الدِّين لأغراضٍ دنيويَّة باستخدام شعاراتٍ وأحاديثٍ تُنسَبُ الى مؤسِّسي الأديان بهدف التلاعب بمشاعر النَّاس واستثارتهم تحقيقاً لغاياتهم. ممَّا يدفع بهم الى صراع العقل والقوّة، حيثُ التفاعل في إثبات حقيقة الوحي المُنزل ما بين الحجَّة والبراهين والحفاظ على المُكتسبات ما بين العادات والتقاليد الموروثة. فبينما يعتمد الأول على جوهر الأديان ومبدأ الوعي الفكري والحريَّة، يرتكز الثاني على التعصُّب وزرع الكراهية في النَّفس البشريَّة، ما ينتجُ عنه تشويه الحقائق الروحيَّة وصور الأنبياء. ويفتح باب التأويل واسعاً لفرضِ أفكارٍ مُعيَّنة بإسم الدين، وغالباً ما يؤدِّي هذا الى تحريضٍ طائفي وإشعال النزاعات والصِّراعات وهذا ما يتنافى مع القِيم الأخلاقيّة التي يُكرِّزون بإسمِها، وفضحاً لأكاذيب مُضلِّلة تخفي في طيَّاتها إدِّعاءات بأنَّهم الوسيط البشريّ للفيض الإلهي.
يقول تعالى في القرآن الكريم:” أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (البقرة: 87).
أولئك هم من لا تهوى أنفُسهم، الذين يعيشون في عالمٍ مُتناقض، تتقاطع فيه الرغبة البشريَّة مع نداءات الرُّوح، غرقوا في مُستنقع الأنانيَّة الروحيَّة والغرور الوجوديّ، يظنُّون أنَّ الله لم يهدِ سواهم برؤيةٍ إستعلائيَّة تُقْصي كلَّ من هم خارج إطارهم العقائدي، ومن خرج من دائرتهم فهو زنديقٌ كافر. يفتون في العلم والفقه والكهنوت وكأنَّهم الحقّ الذي جاء، لإعتقادهم أنَّهم خُلفاء الله على الأرض، لهم الكلمة الفصل في المنابر والساحات، يُدينون ولا يُدانون، يُرشِدون ولا يهتدون، هم فوق المُساءلة والخطأ،. يصنعون من بينهم آلهةً يُقدِّسونهم ويبتهلون لهم، يدْعون بإسمهم، وينسبون زاعمين إقترافهم المُعجزات والعجائب وهم أموات، في حين ينكرون على الأنبياء ذلك!.
فمنذُ متى كان رجال الديِّن القدوة في إثبات الرسالات السماويَّة وأصحابها؟ أو لم نقرأ في تاريخ الأديان أنَّهم الأداة المُباشرة لإضطهادهم!..
يقول سيّد المجد:” من ثمارهم تعرفونهم.” وما الثِمار إلاَّ الأفعال التي تكشفُ الكينونة الأخلاقيَّة للإنسان، تتجلّّى في الخُلُقِ العظيم جوهر الأنبياء، ما يتناقض والسلوك الإنساني في عالم الأرض. ومن عرِف الدكتور داهش وجد فيه مِثالاً للأخلاق الرفيعة وقدوة حسنة، بعيداً عن إتِّهامات رجال الدِّين والسياسة المبنيَّة على حقيقة ضُعفِهم في مواجهة ما يخشونه من باب تهديد نُظُمِهم القائمة على السُّلطة والقوَّة، وحفاظاً على مصالحهم الدنيويَّة…
والدين وحده يكشف عن الحقائق الروحيَّة بواسطة الأنبياء، وكونها كلّها قديمة جدّاً وغير خاضعة لمقاييس التحقيق لمعرفة مدى صحَّتها. كما أنَّ في فهم الأديان تناقضاً لإختلاف تعاليمها. وبناءً على محدوديَّة الإنسان الفكريَّة، وطموحه في حيازة المعرفة المُطلقة، كان الصِّراع بين الذات البشريَّة وما يعتريها من أسئلة وجوديَّة حول معنى الحياة والمصير، ولعجزٍ في النَّفس الإنسانيَّة عن الإحاطة بالأجوبة، أساس التحرُّر من الجهل والظُّلم والإستبداد، كان الشَّك، والشَّك ليس عدو الحقيقة، بل الحجر الأساس في التفكير المنطقي، يعتمدُ على البحث والتحليل للوصول الى نتائج وأحكام صحيحة.
وعليه، نحثُّ الباحثين عن الحقيقة التأكُّد من الظاهرات الروحيَّة التي تمَّت على يديَّ الدكتور داهش وشهودها، وقراءة كُتُبه التي أربت على المئة وخمسين كتاباً، والغوص في بحور مواضيعها وأبعادها، وتفكيك ذرَّاتِ كلماتها، والإطِّلاع على الفكر الداهشيّ، حتَّى يُرى كيف انتقلت الرسالة الداهشيَّة بالآراء والنَّظريَّّات الى حقل الحقائق الواقعيَّة، علَّهم يُزيلون من عقولهم الغموض والتعقيد والمفاهيم الضبابيَّة التي توارثوها مع مرور الزمان وأختلاف المكان. ويجدون الحقيقة الضائعة التي طالما نشدها الكثيرون من العلماء والفلاسفة.
أنَّ التحرُّرَ يتطلَّبُ إدراكاً روحيَّاً ليكون شهادة حقٍّ للأنبياء والرسالات السماويّة الجديدة. ونحن إذ ننشرُ الحقائق الداهشيَّة إيماناً، كي يتَّعظ بها كلَّ إنسانٍ ويعود الى الطُّرق العادلة النيِّرة التي يرغبها الله عزَّ وجَلّ.
هيئة التحرير